إنّ الحاجة إلى المزيد من القيادات النسائية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك في مختلف القطاعات سواء العامة أو الخاصة. وصحيح أنّه في العقود الأخيرة، كانت هناك دعوات لمزيد من المساواة بين الرجل والمرأة، وقد تمّ تحقيق خطوات كبيرة في هذا المجال، الا أنّه لا يزال هناك نقص جوهري في الأدوار القيادية للمرأة.
ولنغوص اكثر في عالم القيادة النسائية، كان لنا هذه المقابلة مع مدرّبة القيادة المحترفة والمتخصصة في البرمجة اللغوية العصبية هاسميك دانيال، التي تستند الى خبرتها في المناصب الريادية في شركات عالمية لمدّة تفوق 17 سنة لتبني تصوّراً واضحاً حول قدرات المرأة القيادية.
– ثقافة عدم الثقة بقدرة المرأة على القيادة ما زالت قائمة في مجتمعاتنا، فما هي برأيك أبرز العقبات التي تواجه المرأة التي تكون في منصب قيادي؟
رغم تطوّر العالم والمجتمعات مع التقدّم التكنولوجي السري، إلا أن المرأة لا زالت تواجه صعوبة في الحصول على مراكز قيادية في مجالات العمل، ليس فقط في الدول العربية، بل حتّى في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. والدليل أنّنا نرى ناشطون وناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، يسعون لتحصيل حقوقها العملية في هذه البلدان التي نعتبرها متقدّمة.
وبحسب دراسة شملت 500 شركةت عالمية، أظهرت النتائج أن 6% من الموظفين فقط هنّ نساء يشغلن مناصب المسؤولات التنفيذيات في هذه الشركات، وهي نسبة صغيرة جداً مقارنة بالرجال الذين يتولّون مناصب تنفيذية كبيرة.
والسبب ليس لأن المرأة تنقصها القدرة الفكرية أو الجسديّة لتتولّى المناصب التي يشغلها الرجال، بل على العكس، هي تمتلك جميع الكفاءات تماماً كالرجل. وقد أُثبت ذلك منذ عام 1821، بعدما كسرت الطبيبة البريطانية إليزابيث بلاكويل الصورة النمطية عن المرأة وأصبحت أوّل امرأة تحصل على شهادة طبيّة، وتبعتها عالمة الكيمياء والفيزياء ماري كوري التي كانت أول امرأة حصلت على جائزة نوبل وغيرهنّ من النساء اللامعات اللواتي صنعن التاريخ في مختلف المجالات الطبية والسياسية والحقوق وغيرها.
ويمكن اختصار العقبات بالنقاط التالية:
– إعطاء الأولوية للرجال في الشركات لتولّي المناصب القيادية.
– التفاوت في المداخيل المالية بحسب الجنس. فغالباً ما تكون أجور الرجال أعلى من النساء. كما يلقى الرجال تقديراً ومكافآت ماديّة تجاه جهودهم ونجاحاتهم في الشركة أكثر من المرأة.
– ضعف الثقة بقدرة المرأة على أخذ القرارات المناسبة والحاسمة المناسبة لمستقبل الشركة كالرجل.
– الحاجة للتواصل مع شركات وجهات وعملاء خارجيين، وذلك يُعتبر من متطلّبات العديد من الشركات ما يمكن أن يُشكّل تحدّياً للمرأة بسبب وجود بلدان ومجتمعات معيّنة، ما زالت حتى اليوم لا تُقدّر المستوى الفكري والعملي للمرأة. فلا زال شائعاً تفضيل لإجراء الاتفاقات والتفاهمات مع الرجال، ما يدفع بعض الشركات لإعطاء هذه المهمّات للرجال بدلاً من النساء.
– التحرّش الجنسي-الوظيفي الذي ما زال يُهدّد المرأة خاصّة في المناصب الكبيرة.
– مواجهة المرأة لهجوم معنويّ من محيطها في العمل عند تولّيها منصب رياديّ، فالبعض قد يُحاول إحباطها أو التنمّر عليها، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على ثقة المرأة بقدرتها على تولّي المنصب الذي تشغله.
– الفجوة الجندرية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا، حيث لا زال إقبال النساء على العمل في هذه القطاعات أقلّ من الرجال، في الوقت الذي تكثر فرص العمل فيها.
نصائح للتوفيق بين الحياة المهنية والعائلية
بحسب منظمة العمل الدولية، فإن الأعمال التجارية ذات التنوع الحقيقي بين الجنسين، وخاصة على مستوى القيادة، يكون أداؤها أفضل، ومنه تحقيق زيادات كبيرة في الأرباح، فما هي الاضافة الخاصة بالمرأة في هذا المجال؟
تمتلك المرأة ميزة بيولوجية تجعلها متميزة في أداء المهام المتعددة. وفي طباعها هي متعاونة أكثر مع زملائها في العمل، وتحرص على تشجيعهم وتحفيزهم على القيام بالوظائف وتحقيق الأهداف، وتسعى لإيجاد الحلول وإدارة الأزمات.
فيما الرجل، بطبيعته متسلّط أكثر، ويميل الى إعطاء الأوامر بدلاً من التعاون مع الموظفين لتحقيق الهدف معهم، ما يُسبب أحياناً نفور الموظف.
وقد أثبتت الدراسات الى أن التفاعل بين الموظفين والمدير التنفيذي في الشركات يكون أكبر عندما تكون المرأة هي في منصب الإدارة، والعكس، تنخفض نسبة التفاعل عندما يكون الرجل هو الذي في منصب القيادة.
كما أنّ المرأة تتميّز ببحثها الدائم عن الحلول بدلاً من التوقّف عند المشكلة، ولا تأخذ النزاعات بطريقة شخصيّة. ولأن المرأة بطبيعتها عاطفيّة أكثر، فهي تتعاطى بودّ أكثر مع الموظفين، وتهتمّ بأدقّ التفاصيل المتعلّقة بحالتهم النفسيّة، لأنها تعلم انعكاس ذلك على إنتاجيّتهم في العمل.
كيف يمكن للمرأة أن تعزّز ثقة الآخرين بقدرتها على القيادة؟
– أوّلاً على المرأة أن تُعزّز ثقتها بذاتها، وتُركّز على أهدافها، وتُثبت قدراتها كي تجعل محيطها في العمل قادر على أن يثق بها.
– ثانياً، على المرأة أن تركّز على قدراتها وتعزيزها من خلال التدريب وحضور ورش عمل وغيرها.
– ثالثاً، أن تتحمّل المرأة المسؤوليّة مهما كانت الوظيفة او المهمّة صعبة.
– رابعاً، أن تكون صادقة مع ذاتها ومع المحيط في العمل وعدم السماح لأي أحد بإحباطها أو التقليل من شأنها.
كيف يمكن للمرأة التعامل مع الرجال الذين يكونون تحت قيادتها في العمل؟
انطلاقاً من مفهوم المساواة، على المرأة في المنصب القيادي والإداري في وظيفتها، عدم التمييز في طريقة التواصل والتعامل بين الرجل والمرأة في مكان العمل.
وكونه من الطبيعي أن تكون المرأة قادرة على استيعاب النساء أكثر من الرجال، لذا عليها تطوير قدرتها على التواصل مع الرجال في العمل، لتُساوي في معاملتها مع الجنسيين، حيث كلّ من النساء والرجال هم فريق واحد دون أي تمييز جندري. فالمعيار الحقيقي لنجاح الشخص في المنصب القيادي هو التأثير الإيجابي بالآخرين، سواء إن كانوا رجالاً أم نساءً.
وعلى المرأة أن تتمتع بالذكاء العاطفي الذي يخوّلها قراءة لغة الجسد وعواطف فريق العمل والتفاعل معهم، فالعاطفة يظنّها البعض أنّها ضعف، إلا أنّها نقطة قوّة لدى المرأة، وهي بشكل خاصّ التي تنمّي علاقتها بفريق عملها.
أخيراً، على المرأة ان تكون صاحبة عزيمة قويّة، وتُقاوم من أجل تحقيق أهداف الشركة. هذه الصفات التي تعكس صورة القائدة القويّة أمام فريق عملها.
المرأة القيادية يمكن أن تواجه عوائق ضمن حياتها الخاصة أيضاً، فكيف يمكن أن توازن ما بين العمل والعائلة؟
يزداد العبء النفسيّ لدى المرأة التي تتولّى منصب قيادي عندما تكون مقبلة على الزواج أو الإنجاب، وخاصّة في المجتمعات العربية، التي تُحمّل المرأة مسؤوليات أسرية أكثر من الرجل. فإلى جانب عملها خارج المنزل يجب عليها الاعتناء بأطفالها وقضاء وقت أكثر مع زوجها، والأفراد المسنين في أسرتها إن احتاج الأمر، وكذلك إدارة المطبخ والشؤون المنزلية الأخرى. وذلك ينعكس عليها بنقاط عدّة أبرزها:
– تحديد الأولويات
إن موضوع التنسيق والتوفيق بين الحياة الخاصّة، والأسرية، وتربية الأولاد ورعايتهم، الى جانب الوظيفة القيادية، يعود الى الأم نفسها وتحديدها لأولوياتها وتنظيم وقتها.
فمثلاً، في حال كانت المرأة لديها مولود جديد، أو طفل في عمر صغير، قد تُقرّر أن تُولي الأهمية له في الدرجة الأولى، لرعايته في هذه المرحلة العمرية، ثمّ يأتي عملها كدرجة ثانية. وفي مراحل لاحقة، عندما يُصبح الطفل أكبر، يُمكن للمرأة أن تُعيد ترتيب أولوياتها بين عملها وأسرتها.
– التضحية
يجب التذكّر دائماً أن النجاح له ثمن، أي في مرحلة معينة قد تدفع المرأة ثمن التضحية بجزء من طموحاتها وأحلامها ووقتها في عملها من أجل أسرتها، وبعدها ستضطر للتضحية من أجل عملها بدلاً من تفرّغها بشكل كامل لأسرتها وأولادها.
ولكن لا يجب على المرأة ان تشعر بالذنب في حال كانت تُخصّص وقتاً أكثر لمسارها المهني من حياتها الزوجية أو الأسريّة، فهي أيضاً إنسان له أحلام وطموحات، ويحقّ لها بشكل كامل العمل بجدٍّ من أجل تحقيقها.
في حال كان لديكِ أي أسئلة لهاسميك، يمكنكِ حجز موعد لاستشارة الكترونية معها عبر www.sohatidoc.com للاستفادة من خبرتها الطويلة في عالم القيادة.